قرية أبو كشك الفلسطينية المهجّرة تأبى النسيان

كانت قرية أبو كشك الفلسطينية تقع في رقعة مستوية في السهل الساحلي الأوسط، وعلى بعد نحو كيلومترين الى الشمال الغربي من نهر العوجا. وكانت طريق فرعية تصلها بطريق يافا- حيفا العام، كما كان هناك طرق فرعية أخرى تصلها بالقرى المجاورة. 

استخدم الموقع أولا عرب أبو كشك من البدو إذ كانوا يضربون خيامهم الموسمية فيه، ثم تطور فأصبح قرية. كانت منازل أبو كشك، التي لم يتخذ شكل انتشارها نمطاً مخصوصاً، تتكتل في مجموعات صغيرة وكان سكانها في معظمهم من المسلمين.

في عام 1925 أسست مدرسة في القرية، وبلغ عدد التلامذة فيها 108 في أواسط الأربعينات، بينهم 9 تلميذات. وكان في القرية أيضاً بضعة متاجر صغيرة. وكان مقام شيخ يدعى سعد يقع إلى الشمال منها، في الحقول الممتدة بينها وبين قرية السوالمة المجاورة. بين العامين 1944 و1945، كان ما مجموعه 2487 دونما من أراضيها مخصصاً للحمضيات والموز، و14018 دونماً للحبوب و226 دونماً مروياً أو مستخدماً للبساتين. وكانت الزراعة تعتمد في جزء منها على مياه الأمطار، وفي جزء آخر على الري (ولاسيما من الآبار الارتوازية) الذي كان غاية الأهميّة للبساتين. وقد اعتنى سكان القرية بتربية المواشي، فضلاً عن عنايتهم بالغلال الزراعيّة.

"علاقات جيدة"
يذكر أن العلاقات بين أهالي قرية أبو كشك ومستعمرة "هود هشارون" اليهوديّة الملاصقة للقرية، كانت علاقات جيّدة، إذ تشارك الطرفان مصادر المياه وكانت الأراضي الزراعيّة ممتدة على القرية والمستعمرة، ممّا ساعد على العلاقات الجيّدة والمصالح (الزراعيّة) المشتركة تماماً مثلما كان في قرية وادي حنين الفلسطينيّة ومستعمرة "نس تسيبونا" في قضاء الرملة.


وفي شهادة من قبل إحدى النساء اليهوديّات اللواتي عشن تلك الفترة، ذكرت بأن العلاقات كانت طبيعيّة واليهود كانوا يسافرون في الباصات التي تمر في طريقها عبر القرى العربيّة. وفي حالات معيّنة استمرّت العلاقات إلى حدٍّ ما، حتى بعد تهجير أهالي القرية، إذ زارهم أحد أبناء القرية في أوائل الخمسينات لتفقد الوضع في قريته المهجّرة والناس الذين عرفهم من قبل التهجير رغم مقتل أخيه أثناء أحداث النكبة.


وذكرت المرأة بأن أهالي القرية فُرض عليهم الرحيل إثر الاشتباكات التي حصلت في البلاد وتلقي الأوامر من جيش الإنقاذ بإخلاء بيوتهم والعودة إليها بعد انتهاء المعارك. وذكرت أيضاً اللحظات التي تهجّر فيها الفلسطينيين من اللد وذلك أثناء خدمتها في جيش الاحتلال، مشيرة إلى السرقات التي قام اليهود أصحاب المركبات والشاحنات الذين وصلوا إلى بيوت الفلسطينيين المهجّرة ومخازنها ونهبوا كل شيء متاح.

احتلال القرية وتطهيرها عرقياً
سقطت قرية أبو كشك، على الأرجح، في يد الصهاينة قبل مدة قصيرة من انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين في 15 مايو/ أيار 1948. ويذكر المؤرخ الفلسطيني، عارف العارف، أن القوات الصهيونية كانت في تلك الآونة تسيطر على كامل المنطقة الساحليّة الواقعة بين حيفا وتل أبيب. ومن الجائز أن تكون أبو كشك تأثرت بالحوادث التي جرت في قرية الشيخ مؤنس المجاورة وقرية جريشة المحاذية لنهر العوجا، إذ كانت القريتان تقعان مباشرة خلف حدود تل أبيب، وكانتا هدفاً للهجوم في أوائل الحرب.


ويشير المؤرخ الإسرائيلي بني موريس إلى أن عمليّة إخلاء المنطقة الواقعة مباشرة إلى الشمال من تل أبيب إخلاءً نهائياً، قد تمّت على يد عصابة الإرغون. ولم ينفع اتفاق هدنة، كان قد عُقد سابقاً بين سكان الشيخ مؤنس و"الهاغانا"، في ردع الإرغون عن الاعتداء على زعماء القرية، ذلك أن مجموعة من هذه العصابة تسللت إلى داخل القرية، في أواخر مارس/ آذار 1948، وخطفت خمسة من هؤلاء الزعماء. وحمل هذا الهجوم الناس على الفرار بكثرة من المنطقة الساحلية المحيطة بالقرية.


اليوم يحتل مجمع مسيّج لصناعة الخردوات العسكرية الموقع ورقعة كبيرة محيطة به. وينبت الصبار وشجر اللوز قرب معبر بني فوق الطريق العام الذي يصل الى المجمع. وثمة خارج السياج، في الركن الجنوبي الشرقي من القرية، بقايا منزلين كان أحدهما مدرسة خاصة لأولاد قرية السوالمة المجاورة، وأصبح موقع القرية اليوم ضمن ضواحي بلدة هرتسليا الآخذة في التوسع.



from صحيفة العربي الجديد – صحيفة الزمن العربي الجديد https://www.alaraby.co.uk/society/2020/5/27/قرية-أبو-كشك-الفلسطينية-المهجرة-تأبى-النسيان
via IFTTT

تعليقات