نيويوركر: سجون سرية لتعذيب المهاجرين بعلم الاتحاد الأوروبي


قال موقع "نيويوركر" إن المهاجرين الذين يحاولون عبور البحر المتوسط، من ليبيا، يتم التحفظ عليهم في سجون سرية.

وقال الموقع في تقرير ترجمته "عربي21" إن الإتحاد الأوروبي الذي تعب من موجات المهاجرين الأفارقة، أقام نظاما سريا لإلقاء القبض عليهم قبل عبورهم إلى الشاطئ الأخر من أوروبا، وإرسالهم إلى مراكز احتجاز تديرها الميليشيات المسلحة، وهذه السجون هي عبارة عن مخازن مؤقتة تقع على الطريق السريع في غوط الشعال، وهو حي فقير تنتشر فيه محلات تصليح السيارات والخردة في العاصمة طرابلس.

وكان المكان في الماضي مكانا لتخزين الإسمنت وأعيد افتتاحها في  كانون الثاني/يناير 2021 ورفعت جدرانه الخارجية ونصبت عليها الأسلاك الشائكة. ويحرسها رجال بزي أسود وأزرق يحملون الكلاشينكوف. وعلى بوابة المخازن لافتة "مديرية مكافحة الهجرة غير الشرعية"، والمكان هو سجن سري لاحتجاز المهاجرين واسمه "المباني". ووصل إليه في الساعة الثالثة من صباح 5 شباط/فبراير 2021 عليو كاندي، وهو شاب خجول من غيينا بيساو.

وترك المهاجر بلاده قبل عام ونصف لان مزرعة العائلة لم تعد تنتج ما تحتاجه وكان يريد الإنضمام لشقيقيه في أوروبا. وعندما حاول عبور المتوسط على متن قارب مطاطي مع أكثر من مئة مهاجر، اعترضهم خفر السواحل الليبيين ونقلوهم إلى "المباني". ودفعوا جميعا إلى زنزانة 14 التي اعتقل فيها مئتين آخرين. ولم يكن هناك مكان للجلوس ومن كانوا على الارض غيروا أماكنهم تجنبا للدوس عليهم.

وكتب المهاجرون على الجدران عبارات "الجندي لا يستسلم" و"نتقدم وعيوننا مغمضة". وجلس كاندي في زاوية مزدحمة وبدأ يتحدث بفزع "ماذا يجب علينا فعله". ولم يعرف أحد ماذا جرى لكاندي خارج جدران المباني، فلم يوجه إليه اتهام ولم يتحدث إلى محامي.

واستسلم في الأيام الأولى للوضع في السجن الذي تديره جماعة مسلحة تطلق على نفسها "جهاز الأمن العام"، وحرس رجالها ممرات السجن الذي احتجز في زنازينه الثمانية فيه 1.500 مهاجرا ومهاجرة. ولم يكن هناك سوى حمام واحد لكل مئة مهاجر، وكان كاندي يبول في زجاجة ويتبرز في الحمام.

ونام المهاجرون على فرش خفيفة، وتداول السجناء النوم عليها في الليل والنهار. وتشاجر المهاجرين حول من له حق النوم في الحمام الذي تتوفر فيه تهوية جيدة. وكانوا يخرجون إلى الساحة مرتين في اليوم، حيث كان يحظر عليهم النظر إلى السماء أو التحدث معا. وقام الحرس، مثل حراس حديقة حيوانات بوضع سطول من الطعام التي أجتمع حولها المهاجرين للأكل.

وضرب الحرس السجناء الذين عصوا الأوامر بما هو متوفر لديهم: مجرفة، خرطوم، سلك أو جذع شجرة. وقال توم مارتن لوثر من الكاميرون الذي نام بجانب كاندي "كانوا يضربون أي شخص بدون سبب". واعتقد السجناء أي مهاجر يموت ترمى جثته خارج جدران السجن في كومة من الطوب والرمل.
وعرض الحرس على المهاجرين الحرية مقابل 2.500 دينار ليبي،أي  500 دولارا. وفي أثناء وجبات الطعام كان الحرس يتجولون بهواتف نقالة لكي يتمكن المعتقلون من الإتصال مع أقاربهم. لكن عائلة كاندي لم تكن قادرة على توفير هذه الفدية. وقال لوثر "لو لم يكن هناك من تستطيع الإتصال به، فما عليك إلى الجلوس".

وقال صلاح المرغني، وزير العدل من 2012- 2014 " قام الإتحاد الأوروبي بأمر فكر به وخطط له لسنوات" و"أقام حفرة جهنم في ليبيا لردع الناس عن التوجه إلى أوروبا". وبعد ثلاثة أسابيع من وصول كاندي إلى المباني، خطط سجناء للهروب وقادها موسى كاروما من ساحل العاج، فقد ترك السجناء بدون السماح لهم بالذهاب للمرافق الصحية حتى فاحت رائحة البراز "وهذه هي أول مرة لي في السجن" قال كاروما و "شعرت بالخوف" عندما فتح الحرس باب الزنزانة تدافع 19 مهاجرا وصعدوا فوق ظهر الحمام ومنه إلى الجدار الخارجي واختفوا في عدد من الممرات.

ويرى كاتب التقرير إيان أوربيا أن البنك الدولي توقع بأن تشهد السنوات الخمسين المقبلة الجفاف وفشل المحاصيل  وارتفاع مستويات البحر والتصحر التي ستؤدي إلى تشريد 150 مليون شخص من  عالم الجنوب وتسرع عمليات الهجرة باتجاه أوروبا. وفي عام 2015 وصل مليون مهاجر إلى أوروبا من الشرق الأوسط وأفريقيا. والطريق المفضل للهجرة هو ليبيا ومن ثم البحر المتوسط إلى إيطاليا.

ودعم الزعيم الليبي معمر القذافي فكرة الرابطة الأفريقية وسمح للأفارقة للعمل في بلاده الغنية. لكنه وقع في 2008 "اتفاقية الصداقة" مع رئيس الوزراء الإيطالي في حينه سيلفيو برلسكوني. لكنه استخدم ورقة الهجرة لتهديد أوروبا، ففي 2010 هدد بجعل أوروبا سوداء لو لم ترسل إليه 6 ملايين يورو لمواجهة الهجرة. وبعد الإطاحة به في 2011 انتشرت الفوضى بالبلاد التي صارت تحكم من حكومتين، وانتشر المهاجرون الباحثون عن فرصة للسفر إلى أوروبا.

ومنذ ذلك الوقت تحول البحر المتوسط إلى مقبرة للمهاجرين، ففي 2013 غرق أكثر من 60 مهاجرا قرابة سواحل جزيرة لامبدوسا، جنوب إيطاليا، وكان معظمهم من الإرتيريين. وتعامل قادة أوروبا مع الأزمة بتعاطف أولا، وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إن أوروبا قادرة على التعامل مع الأمر. وفي نفس الوقت انتخب ماتيو  رينزي الشاب لحكومة إيطاليا وتعاطف أيضا مع الأزمة وقال إنه لو غضت أوروبا الطرف عن "الجثث في البحر" فليس من حقها زعم أنها متحضرة.

ودعم برنامج مير نوسترام في بحرنا، لكن تزايد أعداد المهاجرين واحتياجاتهم أثار المخاوف. ومنح التيار المتطرف سواء حزب البديل في ألمانيا أو التجمع الوطني في فرنسا، مما زاد من مشاعر الكراهية للإجانب وتعرض المهاجريين للإنتهاكات. وهو ما دعا ميركل للمطالبة بدمج المهاجرين ودعمت الحظر على البرقع. ولم تنجح خطة رينزي التي كلفت مئات الملايين من اليورو، ولم تكن إيطاليا قادرة على مواصلة بسبب الركود الذي تعاني منه.

وفشلت محاولات اليونان وإيطاليا توطين المهاجرين في بلد آخر. ورفضت بولندا وهنغاريا التي تدار بحكومات يمينية السماح للمهاجرين، كما وناقشت النمسا فكرة بناء جدا على حدود إيطاليا. واستقال رينزي في عام 2016 وتراجع عن مواقفه السخية. وقررت أوروبا المضي في السنوات القادمة بمعالجة الهجرة بطرق أخرى حسب مفهوم وزير الداخلية الإيطالي السابق ماركو مينتيني الذي فهم سوء حسابات رينزي "لا يمكنك الرد على شعوريين قويين" "الغضب والخوف".

وبدأت إيطاليا واليونان ومالطة وإسبانيا بإعادة القوارب الإنسانية، بل ووجهت إيطاليا اتهامات لقبطان سفينة. وفي عام 2015 قرر الإتحاد الأوروبي إنشاء "صندوق الإئتمان الطارئ لأفريقيا" والذي أنفق ست مليارات دولار. ويقول الداعمون للصندوق إنه يقدم مساعدات للدول النامية، للسودان كي يواجه كوفيد-19 وغانا كي تستثمر في الطاقة النظيفة.

لكن المعارضين له يرون أن الإتحاد الأوروبي يستخدم المال للضغط على دول أفريقيا كي تحد من موجات الهجرة. وقالوا إن المال استخدم لبناء مركز استخبارات في السودان ودعم تقديم بيانات عن المواطنين الإثيوبيين. ونظرا مينتي إلى ليبيا الدولة الفاشلة، لكي تصبح شريكا رئيسيا لأوروبا لمنع تدفق المهاجرين.

 

وسافر في عام 2017 إلى طرابلس وعقد اتفاقية مع الحكومة المعترف بها وأقوى مليشيا فيها. ووقعت إيطاليا التي دعمها الإتحاد الأوروبي مذكرة التفاهم مع ليبيا واكدت على التعاون في مواجهة موضوع الهجرة السرية عبر ليبيا إلى أوروبا. ووجه أول دعم بنصف مليار دولار عملية الهجوم على المهاجرين.

وقال المرغني، وزير العدل السابق إن الهدف هو جعل ليبيا الطرف الشرير. ويعود الكاتب إلى قصة كاندي الذي ولد في قرية صغيرة بدون طرق أو تغطية للهواتف النقالة، لكنه كان يعرف الفرنسية والإنكليزية ويتعلم البرتغالية على أمل السفر إلى البرتغال. وهو من عائلة مسلمة متدينة، هاجر شقيقان له إلى إسبانيا، وحلم بالهجرة، ولهذا قرر أن يجرب حظه وحمل معه نسخة من القرآن وبعض الملابس، في رحلة طويلة عبر دول الصحراء.

 

ووصل إلى المغرب في كانون الثاني/يناير 2020 ليجد أن الرحلة مكلفة ونصحه شقيقه بالعودة، لكنه علم أن الرحلة عبر ليبيا هي أرخص فسافر إلى هناك.

ويشير الكاتب إلى رحلته في أيار/مايو إلى طرابلس للتحقيق في حالة كاندي، حيث كشف عن العلاقة الغريبة التي قامت بين الإتحاد الأوروبي والميليشيات المسلحة، التي اتهم أفرادها بإغراق سفن للمهاجرين، ومع ذلك شاركوا في المحادثات مع المسؤولين الأوروبيين لمواجهة المهاجرين ومنعهم. وعندما وصل إلى ليبيا أخبرته الحكومة الليبية أنها ستسمح له بالتجول في المباني، ليكتشف أن هذا لن يحصل.

 

وأشار إلى وجود 15 معتقلا للمهاجرين الذين يحق للسلطات اعتقالهم لمدة غير محدودة لدخول البلاد بطريقة غير شرعية. ويعد المباني الأضخم من بين هذه السجون. وأخبرت ست نساء منظمة امنستي هذا العام أنهن تعرضن للإغتصاب في معتقل شارع الزاوية. ويتم نقل المهاجرين الذين يعتقلهم خفر السواحل إلى واحد من المعتقلات.


ويصف كاتب التقرير كيف قتل كاندي في نيسان/إبريل هذا العام عندما أطلق حرس السجن النار على سودانيين معتقلين كانوا يحاولون فتح باب زنزانة 4. ثم اعتقال الكاتب في زنزانة بعدما شكت السلطات بأنه يحاول الكشف عما حدث في المباني. وقال إن المحققين معه اتهموه بالتجسس لصالح سي آي إيه وتشويه سمعة ليبيا.

وبقي مع فريقه في السجن مدة ستة أيام حيث تدخلت الخارجية الأمريكية والمسؤولين الهولنديين. واتهم بأنه قام بمقابلة المهاجرين بطريقة غير قانونية. وبعد خروجهم من السجن وضعوا على طائرة إلى تونس. ويقدم التقرير تفاصيل عن عالم المعتقلات السرية وطريقة معاملة المهاجرين واستخدامهم ضد بعضهم في المعتقلات وعدم احترام كرامتهم الإنسانية مع أن معظم المعتقلين من المسلمين.



from عربي21 https://ift.tt/31eYsfh
via IFTTT

تعليقات